قصص منوعة قصه عامة

سيارة الخردة هشام ابراهيم الاخرس

سيارة الخردة هشام ابراهيم الاخرس

سيارة الخردة

بقلم : هشام ابراهيم الاخرس

 

عندما كنا صغارا كان هناك سيارة بك اب تشتري وتجمع الخردوات و تدور في ارجاء
عمان و كانت وحيدة لا غيرها وكانت تاتي لحارتنا يوما واحد في الاسبوع و كانت
حصة حارتنا يوم الاربعاء من كل اسبوع وكنا ننتظرها بشغف .

تشتري السيارة كل شيئ من خردوات حارتنا وتشتري قضبان الحديد المهترئة و علب الصفيح و
الشباشب البلاستيكية و اسلاك النحاس و علب البيبسي الفارغة و صحون و طناجر المنيوم مطبقة
بخبث كان قد باعها رب اسرة ذات طفر و اعلن امام السيارة بانه باعها ليسر
حال و انه سيجدد اغراض المطبخ فقط .

كان الاطفال العابثون امثالي يسرقون الاحذية من هنا و هناك و كنا نجمعها مع بعض
خردة الحديد و الالمنيوم و بواقي علب الصفيح و كان لكل واحد منا مكان يخزن
فيه ما جاد به السيل لحين حضور سيارة الخردة .

كنا نبيع اشيائنا لسيارة الخردة خلسة و نستحي من الوقوف امامها خوفا من ان يشاهدنا
احدا من اهالينا لانه اذ ما شاهدنا احد فانه يتحتم علينا الجلوس لساعات طوال امام
لجان التحقيق المكونة من الاب و الام و الاخ الكبير ان وجد و احد الاعمام
و تكون جلسة تحقيق و مسائلة و حلف يمين بان احدنا لم يمس اي شيئ
من اشياء بيتنا .

كنت انافس جميع الاطفال في حجم مبيعات الخردة و كنت اكثرهم جمعا للخردة و المال
واذكر ان اكبر مبلغ حصلت عليه كان اربعة دنانير دفعة واحدة ، وكان رقما مهول
جدا بالنسبة لي و بدون ادنى وعي ركبت سرفيس حارتنا و توجهت لوسط البلد و
اشتريت اشياء كثيرة و خضروات حتى ما عدت قادرا على حملها ، ولم تسالني امي
وقتها من اين لك هذا لفرط الحاجة و لتعب السنون اليابسات .

كان هناك طفل واحد ينافسني في جمع الخردة و اسمه علي عبد الهادي و اذكر
انه باع لسيارة الخردة بمبلغ ثلاثة دنانير و نصف مما جعلني اموت غيضا و اتفجر
حسدا و بغضا حيث كنت امكت طفولة هذا العلي لانه ايضا كان يسبقني في بعض
الاحيان على تجمع النفايات ( المزابل ) و في بعض الاحيان كنت اشاهده قبلي عند
حاويات عبدون الجميلة و المنسقة و التي كانت تحوي لنا الفرح و المفاجئة لان ثمة
في كل كيس مفاجئة و تكون العملية كلها انت و حظك .

تمر السنون العابسات و لازلت اذكر سائق سيارة الخردة الذي كان يتفاجئ بجمال خردواتي و
يسالني بخبث ( وين لقيتهم يا شاطر ) في اشارة واضحة بانه يريد ان يسرق
المكان مني لكني كنت اشد خبثا منه حيث كنت اقول له :

انا اشتريتها من لولاد

سنون مرت و لا زلت اذكر احمد اخي و جلال و يوسف الفحل حيث كان
احمد يتراسهم في رحلات الغزو على حاويات عبدون و كيف كان في كل مرة ياكل
حقهم و ياتي الينا بكيس مليء بالالعاب و الاشرطة و الشمع واذكر مرة ان احضر
لنا جاتوهات وكيك وبواقي طعام فاض ليلة عيد و كان ابي في كل مرة يقول
له : والله انك شاطر يا احمد

و من القصص المضحكة التي حصلت مع احمد اخي و جماعته ان شاهد جلال طرف
مسجل لونه احمر ظاهر من طرف الحاوية و كان جلال الاقرب للحاوية فصاح بقوة :

يا الله مسجل

فاسرع باتجاه الحاوية و لكن قبل وصوله بامتار لاحظ موج هادر من خلفه مع صوت
وحش قد انقض عليه و طرحه ارضا و سبقه للمسجل و التقطه بقوة و ظل
مسرعا حتى وصل البيت غير ابه بما حصل لزميله الذي و صل متاخرا بعده و
يعاني من رضوض و خدوش في كل اجزاء جسمه .

سنون عابسات يابسات مرن علينا و كلهن تعب ممزوج بالامل الموعود و الغد الجميل الذي
كان يزورنا في احلامنا المتنوعة فكان حلمي ان اقهر الفقر اللعين و ادوس عليه بقوة
المثابر وكان ، و من الفارقة ان الطفل علي عبد الهادي كان يحلم ان يصبح
تاجر خردة كبير و كان ، حتى يقهر تاجرنا القديم الذي كان يضحك على طفولتنا
و يسلبنا اشيائنا بابخس الاثمان .

مرت السنون على مهل على مهل حتى تعشعشت الذكريات في اطراف العقل والبال وكانت حكايات
لا تنسى .

هشام ابراهيم الاخرس

السابق
ولد يغازل امه قصه تموت من الضحك
التالي
كيف تعرف الام عروسة ابنها قصة واقعية