قصة الياقوتة العجيبة
INDENT قصة الياقوتة العجيبة
قصة الياقوتة العجيبة
كان "نور الدين" تاجرا غنيا يعيش في احدى مدن اسيا البعيدة، وكان محبا للاسفار والتنقل
في البلدان، فيشتري البضائع ويبيعها، فيعود عليه ذلك بربح وفير اتاح له العيش في نعمة
دائمة.
وفي يوم من الايام، علم التاجر " نور الدين " ان قافلة تستعد للسفر الى
مدينة بغداد، فاشترى بضائع كثيرة ونقلها على الجمال وسار بها مع القافلة، يمني نفسه برحلة
ممتعة يحقق بها امنيته بالربح الوفير ومشاهدة بلاد الله الواسعة.
بعد مسيرة عدة ايام وصلت القافلة الى سهل فسيح مملوء بالاشجار المثمرة، ويخترقه نهر ذو
مياه عذبة صافية، فتوقفت القافلة وانزلت احمالها، ونصبت خيامها لتستريح بعد عناء السفر الطويل.
وفي صباح احد الايام استيقظ "نور الدين" باكرا وذهب يتنزه بين الاشجار ويبترد (يغتسل) بمياه
النهر المنعشة، وهو ماخوذ بجمال الطبيعة حتى مضى اكثر النهار. ولما عاد لم يجد للقافلة
اثرا. فقد حملت امتعتها وتابعت مسيرتها الى بغداد، دون ان يفطن احد الى غياب احد
افرادها.
بقي "نور الدين" مذهولا من هول المفاجاة، واحتار ماذا يفعل، لاسيما وانه لا يدري اي
طريق سلكتها القافلة.
قضى " نور الدين " ليلته نائما فوق احد الاغصان خوفا من الوحوش المفترسة، وفي
الصباح سار على غير هدى حتى انهكه التعب، فجلس تحت شجرة ليستريح.
وبينما هو يحدق في ما حوله، لمح من خلال التراب حجرا كريما يتلالا بريقه في
ضوء الشمس، فنهض مسرعا والتقطه وخباه في طيات ثوبه، ثم تابع سيره والجوع يكاد يهلكه،
حتى لاحت له عن بعد قباب ومبان ضخمة وماذن شامخة، فولى وجهه شطرها، فاذا به
بجد نفسه في مدينة نظيفة الشوارع حسنة الترتيب واسعة. فسار فيها على مهل وقد هده
الجوع والتعب والارهاق حتى قادته قدماه الى قصر فخم تعلوه القباب، ووجد على بابه رجلا
تبدو على محياه امارات الطيبة والمروءة.
اقترب "نور الدين" من بواب القصر وحياه في ادب وقال له: هل من وسيلة يا
سيدي تدلني عليها للحصول على طعام اسد به جوعي، فقد مضى علي يومان كاملان لم
اذق فيهما طعاما.
فقال البواب: ان المدينة مليئة بالمطاعم، فلم لا تذهب الى احدها وتتناول من الطعام ما
تشاء؟
فاجابه " نور الدين " في اعياء وتردد: انني غريب مسكين لا املك نقودا. فقد
ضاعت اموالي وبضاعتي مع القافلة التي فقدتها وهي في طريقها الى بغداد، وزاد قائلا: ولكني
املك هذا الحجر المتلالئ. ثم اخرج من بين طيات ثوبه الحجر الاحمر الذي وجده في
الطريق وقدمه الى البواب الطيب.
ما كاد البواب يرى الحجر الكريم حتى فتح فمه مندهشا وقال ل "نور الدين": اتملك
مثل هذا الحجر الكريم النادر، ثم لا تجد بعد ذلك ثمن وجبة من الطعام؟ اذهب
يا رجل توا الى سلطاننا العظيم وقدم له هذا الحجر، وسوف يكافئك عليه مكافاة سخية.
انها ياقوتة ثمينة ستزدان بها مجموعة السلطان القيمة.
دهش "نور الدين" لهذا الكلام واسرع الخطى نحو قصر السلطان العظيم، وطلب الى الحاجب مقابلة
السلطان لامر مهم.
سمح السلطان لنور الدين بمقابلته، فادخل قاعة العرش، حيث شاهد السلطان يجلس في هيبة ووقار
وحوله الامراء وكبار رجال الدولة.
تقدم " نور الدين " من السلطان مبهور الانفاس واظهر الياقوتة الحمراء وقال في ادب:
قدمت يا سيدي من بلاد بعيدة لاقدم لكم هذا الحجر الكريم النادر لعلمي بشغفكم باقتناء
الاحجار الكريمة.
اخذ السلطان الياقوتة وقلبها بين يديه مبهورا من كبرها وجمالها، ثم امر بضمها فورا الى
مجموعته النادرة، وكافا "نور الدين" بسخاء وكرم.
مضت الايام.. واحب السلطان ان يمتع بصره بتامل الياقوتة الجديدة، فامسك بها واخذ يقلبها بين
يديه.. وفجاة امتلات القاعة بدخان ملون كثيف، ثم انقشع الدخان عن شاب وسيم الطلعة، فاخر
الثياب، فذهل السلطان، ولكنه سرعان ما استجمع شجاعته وهدوءه وقال للشاب: من انت؟ وماذا اتى
بك الى هنا؟
فاجاب الشاب بصوت هادئ: انا يا سيدي امير الياقوت.. وان لوجودي هناقصةلا استطيع البوح بها.. ولكني اعرض عليك خدماتي، فمرني بما تشاء وعلي الطاعة.
اطرق السلطان براسه الى الارض مفكرا، ثم تقدم نحو الشاب، وقال له: ان الله ارسلك
الينا في الوقت المناسب. ففي مثل هذا اليوم من مطلع كل شهر يفد علينا تنين
مخيف، يهددنا ويهدد رجالنا ونساءنا واطفالنا، ولا يكف عنا شره حتى نقدم له شابا من
خيرة شباب بلدنا ليلتهمه ويسد به جوعه، ثم ينصرف من حيث اتى ليعود في الشهر
التالي فنقدم له شابا اخر، حتى بتنا ونحن من شره في بلاء عظيم. ثم تابع
السلطان كلامه: فهل باستطاعتك ايها الشاب النبيل ان تخلصنا من شر هذا التنين.
فاجاب الشاب في ثقة وحزم: نعم يا مولاي. انا واثق من قدرتي على تخليصكم من
شر هذا التنين، على شرط ان تاتيني بسيف بتار وترشدني الى مكانه.
فامر السلطان بتلبية طلبه فورا.
في اليوم المحدد الذي اعتاد فيه التنين الحضور لالتهام فريسته، كمن امير الياقوت في مكان
خفي، وما هي الا لحظات حتى اهتزت الارض وسمعت ضوضاء شديدة ارتجت لها ارجاء المكان،
ثم ظهر التنين المخيف، والشرر يتطاير من عينيه وينبعث اللهب من بين انيابه الحادة. ولكن
ذلك لم يرهب امير الياقوت الذي يتمتع بقوة سحرية خارقة، بل تقدم بخطوات ثابتة نحو
التنين. ولما اصبح على قيد خطوات منه رفع سيفه وضربه به ضربة شديدة فصلت راسه
عن جسده الرهيب.
اسرع امير الياقوت الى السلطان ليزف اليه بشرى القضاء على التنين المخيف. سر السلطان من
ذلك وعانق الشاب وراح يقبله بتاثر وفرح واعجاب، وقال له وهو في غمرة الفرح: لن
اسالك ايها الشاب عن سر مجيئك الينا، ولكني كنت قد قطعت عهدا على نفسي ان
ازوج ابنتي " نور الحياة " لمن يخلصني من شر هذا التنين، وها انا اليوم
قد حققت لي هذا الامنية، لذلك فان ابنتي ستصبح منذ هذه اللحظة زوجة لك ان
رغبت في ذلك.
رحب امير الياقوت بالزواج من " نور الحياة " فسر الملك بذلك سرورا عظيما وامر
بان تقام الزينة في جميع انحاء المملكة، وان تعم الافراح جميع الناس، فقد صار امير
الياقوت زوجا لابنة الملك.
سكن الامير وزوجه نور الحياة قصرا جميلا، وعاشا في سعادة وهناءة. ولكن سحابة من الكابة
كانت تخيم فوق هذا البيت السعيد، وتنغص على الاميرة حياتها. كانت تعلم ان زوجها امير
الياقوت يحتفظ في قرارة نفسه بسر خفي يابى ان يبوح به لاحد، وكثيرا ما سالته
ان يكشف الستار عن هذا السر ولكنه كان في كل مرة يحذرها من اثارة هذا
الموضوع امامه مرة اخرى.
في ذات يوم، كان العروسان: امير الياقوت ونور الحياة، يتنزهان على شاطئ البحيرة حول القصر.
اصرت نور الحياة على ان تعرف سر زوجها الخفي، والحت عليه. وما ان بدا بالكلام
حتى ثارت موجة عاتية من عرض البحيرة وتقدمت نحو العروسين واختطفت امير الياقوت. ورات نور
الحياة زوجها وقد خطفته هذه الموجة وابتلعته في غمضة عين.
دب الخوف في قلب الاميرة واسرعت عائدة الى القصر في ذهول وهي تبكي زوجها الذي
ابتلعته المياه، وقصت على والديها ما حدث لزوجها. وسرعان ما انتشر الخبر في ارجاء القصر،
فحزن الجميع لحزن الاميرة واخذ السلطان يواسيها محاولا ان يخفف عنها مصابها الاليم، ولكن الاميرة
استسلمت لحزنها، واتخذت من غرفتها ملجا تبكي فيه زوجها الحبيب الذي لم تستطع مرور الايام
ان تمحو ذكراه من خاطرها.
وفي احدى الليالي، وكان الهم قد اخذ بها كل ماخذ، خرجت من القصر في ضوء
القمر، وسارت على محاذاة البحيرة في المكان الذي فقدت فيه زوجها. ولما نال منها التعب،
جلست تحت جذع شجرة تبكي ذكرى زوجها حتى مضى من الليل نصفه، وهي ذاهلة عما
حولها.
فجاة سمعت اصواتا غريبة تنبعث من وسط البحيرة، ثم انجلت الاصوات عن مشهد غريب اذهلها
وكاد يفقدها عقلها. رات جماعة من الجنيات الصغيرات يفرشن الارض حول البحيرة، بالحشائش الخضراء والازهار
الملونة، ثم انشقت المياه عن مركب كبير يتقدمه شيخ عجوز يمسك بيده شابا تتدلى على
جيبه ياقوتة حمراء كبيرة.. ثم خرجت من بين الامواج راقصة حسناء تحمل بيدها دفا تضرب
عليه وترقص على نغماته مما جعل امير الياقوت يعجب بها ويلاحقها بعينيه.
عجبت نور الحياة لهذا المشهد الغريب، وتملكتها الغيرة فاندفعت بلا وعي نحو الراقصة وانتزعت الدف
من يدها وراحت تضرب عليه وترقص على نغماته رقصا اثار اعجاب الامير والشيخ العجوز ودهشتهما.
تقدم الشيخ العجوز من نور الحياة وخاطبها قائلا: ايتها الاميرة نور الحياة، انني اعرف قصتك
مع ولدي امير الياقوت، ولكنك انت المسؤولة عما حدث لك وله، لانه ممنوع عليه ان
يذيع سره. ولكني بعد ان رايت رقصتك الجميلة فاني على استعداد لان البي لك اي
رغبة تريدين.
فاجابته الاميرة في توسل: اريد ان تعيد لي زوجي الحبيب.
فقال الشيخ العجوز بصوت ملؤه العطف والحنان: اسمعي يا بنيتي، هل تعدينني بان تكوني زوجة
مطيعة لا تتدخل بشؤون غيرها ولا تسال زوجها عن سر قصته؟
فقالت نور الحياة على الفور: "اعدك يا سيدي بان اكون كما رغبت".
وما هي الا لحظة حتى اختفى الموكب وبقي امير الياقوت الى جانب الاميرة نور الحياة.
وهكذا عاشا حياة جديدة كلها سعادة واطمئنان.
قصة الياقوتة العجيبة
قصة الياقوتة العجيبة
INDENT