قصص من كليلة و دمنة لابن المقفع
كليلة و دمنة
قصص الحيوانات .
العبر.
الحكمة
كليلة و دمنة :
هو كتاب حكايات قصيرة على السنة الحيوانات و الطير ذات مغزى ارشادي.
و الكتاب بمجمله منقول عن الفارسية, و كان قد نقل اليها عن الهندية, و قد
ترجمه الى العربية عبد الله ابن المقفع*.
و هي قصة عن ملك هندي يدعى دبشليم طلب من حكيمه بيدبا ان يؤلف له
خلاصة الحكمة باسلوب مسلي . معظم شخصياتقصصكليلة و دمنة عبارة عن حيوانات برية فالاسد هو الملك و خادمه ثور اسمه شتربة
و كليلة ودمنة هما اثنان من حيوان ابن اوى و شخصيات اخرى عديدة هكذا تدور
القصص بالكامل ضمن الغابة و على السنة هذه الحيوانات . وقد ضم الكتاب تعاليم اخلاقية
موجهة الى رجال الحكم و افراد المجتمع.و قد اعتمد ابن المقفع اسلوب السهل الممتنع في
كتابه و انبنى الكتاب على حكايات اتخذ فيها الحيوان بديلا عن الانسان و دليلا عليه
فقامت على الايحاء باسلوب رمزي مبطن بحيث لا يثير غضب الحاكم المستبد .و قد ترجم
الكتاب الى عدة لغات , و هو يدرس حتى اليوم في كثير من جامعات العالم
.
*عبد الله ابن المقفع: (734-757 م) هو روزبة بن داوزيه, فارسي الاصل, كان والده واليا
على العراق من قبل الحجاج فضم الى املاكه شيئا من مال السلطان, فضربه الحجاج علي
يده حتى تقفعت, اي تشنجت, فعرف من ذلك الحين بابن المقفع. و بعد ان اتقن
روزبة العربية و تخرج على يد عبد الحميد الكاتب , اعتنق الاسلام فسمي عبد الله
و كني بابي محمد .
القرد و النجار
زعموا ان قردا راى نجارا يشق خشبة و هو راكب عليها, و كلما شق منها
ذراعا ادخل فيه وتدا.فوقف ينظر اليه و قد اعجبه ذلك. ثم ان النجار ذهب لبعض
شانه فركب القرد الخشبة و جعل وجهه قبل الوتد فلزم الشق عليه*, فكاد يغشى عليه
من الالم. ثم ان النجار وافاه فوجده على تلك الحالة, فاقبل عليه يضربه, فكان ما
لقي من النجار من الضرب اشد مما اصابه من الخشبة.و يضرب هذا المثل فيمن يتكلف
من القول و الفعل ما ليس من شكله.
*لزم الشق على ذنب القرد : قبض و ضغط عليه.
الثعلب و الطبل
زعموا ان ثعلبا اتى اجمة فيها طبل معلق على شجرة, و كلما هبت الريح على
اغصان تلك الشجرة حركتها, فضربت الطبل, فسمع له صوت عظيم باهر. فتوجه الثعلب نحوه لاجل
ما سمع من عظيم صوته ; فلما اتاه وجده ضخما, فايقن في نفسه بكثرة الشحم
و اللحم, فعالجه حتى شقه. فلما راه اجوف لا شيء فيه قال : لا ادري
لعل افشل الاشياء اجهرها صوتا* و اعظمها جثة .
*اجهرها صوتا: اعلاها صوتا.
القملة و البرغوث
زعموا ان قملة لزمت فراش رجل من الاغنياء دهرا فكانت تصيب من دمه و هو
نائم لا يشعر , و تدب دبيبا رفيقا . فمكثت كذلك حينا حتى استضافها ليلة
من الليالي برغوث, فقالت له: بت الليلة عندنا في دم طيب و فراش لين. فاقام
البرغوث عندها حتى اذا اوى الرجل الى فراشه و ثب عليه البرغوث فلدغه لدغة ايقظته
و اطارت النوم عنه, فقام الرجل و امر ان يفتش فراشه فنظر فلم ير الا
القملة فاخذت فقصعت* و فر البرغوث .
و يضرب هذا المثل نعلم ان صاحب الشر لا يسلم من شره احد و يقال
: ان استضافك ضيف ساعة من نهار , و انت تعرف اخلاقه , فلا تامنه
على نفسك , و لا تامن ان يصلك منه او بسببه ما اصاب القملة من
البرغوث .
*القصع: قتل القملة بتسويتها بين الظفرين.
القردة و الطائر و الرجل
زعموا ان جماعة من القردة كانوا ساكنين في جبل. فالتمسوا* في ليلة باردة ذات رياح
و امطار نارا فلم يجدوا. فراوا يراعة* تطير كانها شرارة نار , فظنوها نارا و
جمعوا حطبا كثيرا , فالقوه عليها , و جعلوا ينفخون بافواههم و يتروحون بايديهم* طمعا
في ان يوقدوا نارا يصطلون* بها من البرد . و كان قريبا منهم طائر على
شجرة ينظرون اليه و ينظر اليهم, وقد راى ما صنعوا فجعل يناديهم و يقول: لا
تتعبوا انفسكم فان الذي رايتموه ليس بنار. فلما طال ذلك عليه عزم على القرب منهم,
لينهاهم عما هم فيه, فمر به رجل فعرف ما عزم عليه فقال له: لا تلتمس
تقويم ما لا يستقيم, فان الحجر الصلب الذي لا ينقطع لا تجرب عليه السيوف ,
و العود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس , فلا تتعب. فابى الطائر ان
يطيعه و تقدم الى القردة ليعرفهم ان اليراعة ليست بنار, فتناوله احد القردة , فضرب
به الارض فمات .
*التمس الشيء: طلبه و اراده.
*اليراعة: حشرة يتوهج ذيلها في الليل فتبدو و كانها قطعة من نار.
*يتروحون بايديهم: يحركون الرياح ليشعلوا النار.
*اصطلى بالنار: تدفا بها.
التاجر المستودع حديدا
زعموا انه كان بارض كذا تاجر, فاراد الخروج الى بعض الوجوه لابتغاء الرزق, و كان
عنده مائة من* حديدا, فاودعها رجلا من اخوانه و ذهب في وجهه, ثم قدم بعد
ذلك بمدة, فجاء و التمس الحديد فقال له: قد اكلته الجرذان. فقال: قدْ سمعت ان
لا شيء اقطع من انيابها للحديد. ففرح الرجل بتصديقه على ما قال و ادعى, ثم
ان التاجر خرج فلقي ابنا للرجل, فاخذه و ذهب به الى منزله, ثم رجع الرجل
اليه من الغد فقال له: هل عندك علم من ابني ؟ فقال له التاجر: اني
لما خرجت من عندك بالامس رايت بازيا* قد اختطف صبيا صفته كذا و كذا.. ,
و لعله ابنك.
فلطم الرجل راسه و قال: يا قوم هلْ سمعتم او رايتم ان البزاة تختطف الصبيان
؟ فقال: نعم, وان ارضا تاكل جرذانها مائة من من حديد ليس بعجب ان تختطف
بزاتها الفيلة. قال له الرجل: انا اكلت حديدك و هذا ثمنه, فاردد علي ابني.
و قد ضرب هذا المثل لنعلم انه اذا صاحب احد صاحبا و غدر بمن سواه
, فقد علم صاحبه انه ليس عنده للمودة موضع .
*المن: وزن قوامه مائتان و ثمانون مثقالا.
*البازي: طير جارح كالعقاب, و الجمع بزاة (بضم الباء).
الذئب و قوس الوتر
زعموا انه خرج ذات يوم رجل قانص* و معه قوسه و نشابه , فلم يجاوز
غير بعيد حتى رمى ظبيا , فحمله و رجع طالبا منزله , فاعترضه خنزير بري
, فرماه بنشابة* نفذت فيه , فادركه الخنزير و ضربه بانيابه ضربة اطارت من يده
القوس ووقعا ميتين . فاتى عليهم ذئب فقال: هذا الرجل و الظبي و الخنزير يكفيني
اكلهم مدة, و لكن ابدا بهذا الوتر فاكله فيكون قوت يومي و ادخر الباقي الى
غد فما وراءه, فعالج الوتر حتى قطعه. فلما انقطع طارت سية* القوس فضربت حلقه فمات
. و يضرب هذا المثل في الجمع و الادخار و سوء عاقبته.
*القانص: الصياد.
* النشابة: السهم.
* سية القوس: ما يعطف من طرفيها.
ابن اوى و الاسد و الحمار
زعموا انه كان اسد في اجمة* , و كان معه ابن اوى* ياكل من فضلات
طعامه . فاصاب الاسد جرب و ضعف شديد, و جهد* فلم يستطع الصيد.فقال له ابن
اوى: ما بالك يا سيد الاسباع قد تغيرت احوالك ؟ قال: هذا الجرب الذي قد
جهدني و ليس له دواء الا قلب و حمار و اذناه . قال له ابن
اوى ما ايسر هذا, و قد عرفت بمكان جمار مع قصار* يحمل عليه ثيابه, وانا
اتيك به. ثم دلف* الى الحمار , فاتاه و سلم عليه و قال له :
ما لي اراك مهزولا ؟ قال : لسوء تدبير صاحبي , فانه لا يزال يجيع
بطني و يثقل ظهري , و ما تجتمع هاتان الحالتان على جسم الا انحلتاه* و
اسقمتاه* . فقال له: كيف ترضى المقام معه على هذا ؟ قال: مالي حيلة للهرب
منه , فلست اتوجه الى جهة الا اضر بي انسان , فكدني واجاعني.
قال ابن اوى: فانا ادلك على مكان معزول عن الناس لا يمر به انسان, خصيب
المرعى, فيع قطيع من الحمر ترعى امنة مطمئنة.
قال الحمار : و ما يحبسنا عنها فانطلق بنا اليها . فانطلق به نحو الاسد,
وتقدم ابن اوى, و دخل الغابة على الاسد, فاخبره بمكان الحمار. فخرج اليه و اراد
ان يثب عليه, فلم يستطع لضعفه, و تخلص الحمار منه فافلت هلعا*.فلما راى ابن اوى
ان الاسد لم يقدر على الحمار قال له: يا سيد الاسباع اعجزت الى هذه الغاية
؟ فقال له: ان جئتني به مرة اخرى فلن ينجو مني ابدا . فمضى ابن
اوى الى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك ؟ ان احد الحمر* راك غريبا
فخرج يتلقاك مرحبا بك , و لو ثبت لانسك و مضى بك الى اصحابه .
فلما سمع الحمار ذلك, ولم راى اسدا قط , صدق ما قاله ابن اوى و
اخذ طريقه الى الاسد. فسبقه ابن اوى الى الاسد و اعلمه بمكانه و قال له:
استعد له فقد خدعته لك, فلا يدركنك الضعف في هذه النوبة, فان افلت فلن يعود
معي ابدا , و الفرص لا تصاب في كل وقت.
فجاش جاش الاسد* لتحريض ابن اوى له, و خرج الى موضع الحمار , فلما بصر
به عاجله بوثبة افترسه بها , ثم قال: لقد ذكرت الاطباء انه لا يؤكل الا
بعد الاغتسال و الطهور , فاحتفظ به حتى اعود , فاكل قلبه و اذنيه ,
و اترك لك ما سوى ذلك قوتا لك .
فلما ذهب الاسد ليغتسل عمد ابن اوى الى الحمار, فاكل قلبه و اذنيه رجاء ان
يتطير الاسد منه فلا ياكل منه شيئا. ثم ان الاسد رجع الى مكانه فقال لابن
اوى: اين قلب الحمار و اذناه ؟ قال ابن اوى: الم تعلم انه لو كان
له قلب يعقل به, و اذنان يسمع بهما لم يرجع اليك بعدما افلت و نجا
من التهلكة ؟
*اجمة : الشجر الكثيف الملتف.
*ابن اوى: حيوان يشبه الثعلب, و الجمع بنات اوى.
* جهد: تعب.
* قصار: الذي يغسل الثياب.
* دلف: توجه سار.
* انحل : اضعف.
* اسقم : امرض.
* الهلع: شدة الخوف.
* الحمر: جمع حمار.
* جاش جاش الاسد : تحمس.
المصدر : كتاب كليلة و دمنة لعبد الله بن المقفع .
- قصص ذات مغزى ارشادي