قصص منوعة قصه عامة

القصة القصيرة تستلهم الموروث الشعبي

القصة القصيرة تستلهم الموروث الشعبي

تحتل الابداعات الادبية الشعبية وبخاصة الحكايات والاقوال الماثورة والحكم اهمية قصوى في تاريخ الشعوب، وتعكس
مظاهر الحياة، والجوانب الثقافية، والمستوى الفكري الذي بلغته وفي ظل غياب وسائل التوثيق المتطورة قامت
هذه الموروثات بدور اساس في نقل جانب من اخبار وتجارب الاجيال السابقة الى الاجيال اللاحقة.
وكان "الموروث الحكائي" الى وقت غير بعيد الوسيلة الاولى للترفيه والتعليم والعظة في مناطق كثيرة
من الوطن العربي.

ويمكن القول ان "الحكاية الشعبية" من انتاج معرفي جماعي تنتقل مشافهة من راوية الى راوية
اخر، وتتداول من جيل الى اخر، وتشكل مع الابداعات الادبية الشعبية الاخرى ك: الحكم، والامثال،
والقصيد، والاهازيج، والالغاز، بالاضافة الى العادات والمعتقدات، والموروثات الشعبية الاخرى، ما يعرف اصطلاحا ب"التراث الشعبي".

***

ما من امة من الامم الا ولها حكاياتها واساطيرها التي تعبر على نحو ما عن
طبيعة الحياة والناس في تلك الحقبة من الزمن. ومن هذا المنطلق، تشكل الحكاية الشعبية، ايضا،
مرجعا للدراسة الاجتماعية والتاريخية والدينية والثقافية والانسانية.. تتيح للباحث استنطاق الماضي والتعرف على بعض ملامحه.

وتمثل "الحكاية الشعبية"، بوصفها ابداعا ادبيا، الى جانب الموروثات الاخرى من حكم وامثال شعبية ومعتقدات،
مادة خصبة لامكانية توظيفها فنيا في الاجناس الادبية المختلفة لاسيما في القصة القصيرة ليعكس الكاتب
من خلالها دلالات رمزية وايحائية.

وعمان غنية بتراثها الشفوي من ابداعات ادبية شعبية وبخاصة الحكايات، وهذا ما يؤكده القاص والكاتب
المصري يوسف الشاروني في مقدمة كتابه "قصص من التراث العماني" الصادر عام 1986، والذي جمع
بين غلافيه 45 حكاية شعبية.. سمعها من افواه رواتها: "حين وصلت الى سلطنة عمان لاول
مرة منذ اكثر من ثلاثة اعوام لم اكن اعرف عنها الا القليل، لكنني ما لبثت
ان وجدتني امام منجم مليء بالكنوز". وفي مكان اخر من مقدمة كتابه قال الشاروني: "ان
من يقرا هذا الكتاب يتفق معي ان التراث الادبي العماني شانه شان كل ادب عظيم
تكمن عبقريته في ان اغراقه في محليته هو الذي يهبه انسانيته وعالميته".

***

ترجع ظاهرة تاثير الموروث الشعبي في القصة القصيرة في عمان الى بدايات كتابة القصة القصيرة
على يد الاستاذ المغفور له عبدالله الطائي، ونلاحظ ذلك على نحو اوسع واعمق في قصص
احمد بلال، رحمه الله، في مجموعاته الثلاث: سور المنايا، واخرجت الارض، ولا يا غريب، الصادرة،
على وفق ترتيبها عام: 1981، 1983، و1987.

والى جانب كتاب يوسف الشاروني هناك كتاب "الحكاية الشعبية العمانية" لعبدالله بن حمد الوهيبي، وكتاب
"البصراويات والعماني" لعيسى بن حمد الشعيلي، وصدر العام الماضي كتابان وثقا الحكاية الشعبية العمانية في
شكلين مختلفين: الاول بعنوان "حكايات شعبية من ظفار.. حكايات جدتي" قامت بجمعها واعدادها خديجة بنت
علوي الذهب من "مصادر موثوق بها" بحسب اشارتها في مقدمة الكتاب. والكتاب الاخر بعنوان "قالت
لي جدتي" الذي جاء على شكل مجموعة قصصية، وان احتفظت القصص بشكلها الحكائي مع تصرف
طفيف من القاصة فاطمة قلم الهنائي. وضم الكتاب عددا من الحكايات الشعبية المعروفة في المناطق
الداخلية من عمان.

وتجدر الاشارة ايضا الى الجهد الذي بذله الشاعر سماء عيسى حيث اولى هذا الجانب من
تراثنا الشعبي اهتماما خاصا وعمل على اعادة كتابة ونشر عدد من النصوص السردية استلهمها من
التراث الشعبي لاسيما الحكايات الشعبية، وكتب مقالات اخرى تعنى بمواضيع التراث المنقول مشافهة ووظف الموروث
الشعبي في بعض من الفنون المرئية التي اضطلع بكتابة نصوصها.

بيد ان ذلك كله لا يمثل الا النزر اليسير مما تحفظه الذاكرة الجماعية في عدد
كبير من المجتمعات المحلية على امتداد ارض عمان.

القصة وارتباطها بالموروث الحكائي

ارتبطت القصة القصيرة في الاداب الغربية بالموروث الشعبي الحكائي وبالحكاية الخرافية على وجه التحديد الى
ان ظهر من ينظر لها وينتشلها من التاثر المفرط بالموروثات الحكائية في النصف الاول من
القرن التاسع وهو ادجار الان بو “1809 1849”. وان لم تسلم قصص "بو" نفسها من
التاثر بالموروث الشعبي الخرافي المتمثل في الاسطورة او ما يسمى بقصص الاشباح.

وخلال سعيهم لايجاد قالب خاص للقصة القصيرة اقرب الى الانموذج الغربي، الذي كان قد استوى،
حينئذ، في قصص الادباء الروس وعلى راسهم تشيكوف، والفرنسيين من امثال جي دي موبسان، وبالطبع
ادجار الان بو، ابتعد كتاب القصة العربية في بداية نشاتها عن الموروث الحكائي خوفا من
التباسها بالحدوتة الشعبية او تاثرها بالحكاية الشعبية، التي كانت، حينئذ، اعلى صوتا واكثر تاثيرا في
حياة الناس.

ويرى الدكتور عبد الحميد يونس، الذي يعد على راس المدرسة المصرية المهتمة بالتراث الشعبي ان
القصة القصيرة العربية ظلت بعيدة لما يربو على اربعين عاما عن الموروث الشعبي.

يبدو ان كتاب القصة القصيرة العمانية خلال التسعينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت
تحولا من الشكل التقليدي للقص الى محاولات قص حديثة في الشكل والمضمون، ابتعدوا ايضا عن
الاستفادة من "الموروث الحكائي" في تجاربهم القصصية.. اعتقادا منهم ان تطوير اساليب السرد والحداثة بمفهومها
"اللفظي"، وحداثة التجربة بما تمثله من بحث دائم عن التميز، وخرق القواعد المتعارف عليها، ومعانقة
المغامرة والافق المفتوح للابداع والتالق" لا تتماشى مع طبيعة الحكي الشعبي الذي يمثل، في نظرهم،
موروثا يرتبط على نحو كلاني بزمنه وبيئته وظروف انتاجه.

وكان هؤلاء يظنون ان "الادب الشعبي" لاسيما الخرافة والحكاية نوع من الجهل وتزييف العقل والمنطق،
فنعتوه بالجمود والتخلف، وكان رايهم انه يمثل مرحلة من مراحل القصة يجب ان لا نوليه
اهتماما.

وعلى الرغم من ان القصة القصيرة العمانية غدت خلال العقد الاخير الابداع الابرز في كتابة
الاجناس الادبية واكثرها انتاجا وتنوعا وغنى وشكلت معلما متميزا في الحركة الثقافية العمانية، الا ان
محاولات توظيف الموروث الشعبي في القصة كانت متواضعة.

ولقد تفاوت كتاب هذه المحاولات فيما يتعلق بنوعية التوظيف، فمنهم من اخترع حكايته الخاصة وعمد
الى تشكيلها باسلوبه الخاص كما في تجربة سليمان المعمري في قصته "يا لحزن الدودة حين
تفقد الذاكرة" في مجموعته "لانه رجل مهزوم"، ومحمد سيف الرحبي في قصته "اغشية الرمل" من
مجموعة تحمل العنوان نفسه، ومنهم من لجا الى التناص في بث روح جديدة في حكاية
استلهمها من التاريخ العماني ووظفها في نص جمع بين الاثنين كما فيقصة"ريا" لبشرى خلفان في مجموعتها الاولى "رفرفة" في حين استثمرت رحمة المغيزوي حكايات لها جذور
واقعية ووظفتها في عدد من قصص اصدارها الاول "كاذية بنت الشيخ" التي صدرت مؤخرا بينما
وظف سمير العريمي الموروث الشعبي والمعتقدات والعادات التي تتصل بالسحر والطاقات الخفية للحيوانات والاشياء والاماكن
والامثال والحكم، واستثمر الروح الشعبية العمانية ومناخات الحياة اليومية في بيئته الاجتماعية في بعض مجموعته
"سفر هو حتى مطلع الشمس".

***

لقد نضجت القصة القصيرة العمانية وتنوعت موضوعا واسلوبا، وحققت منجزا يمكننا القياس عليه باقلام تجاوزت
شهرتها المحلية ولحقت بالقصة القصيرة العربية وغدت تنافسها وتتفوق عليها، كما حصل في مسابقة "جائزة
يوسف ادريس للقصة القصيرة" التي فاز بها القاص سليمان المعمري عن مجموعته القصصية "الاشياء اقرب
مما تبدو في المراة"، من بين 40 مجموعة قصصية من مصر والبلدان العربية.

اما وقد حققت القصة العمانية القصيرة هذا الانجاز، فان لنا ان نلتفت الى الخلف قليلا
من دون خوف، ونستلهم من الموروث الشعبي الحكائي ونوظفه فنيا في الابداع القصصي ونشره في
الخارج للتعريف باصالة تراثنا وغناه وتقديمه للعالم بلغة يفهمها.

حفظ وتوثيق الموروثات الشعبية، ومنها الحكاية، يعني التواصل واللقاء، ولا يعني البتة شيئا من الانغلاق،
وحسب الحكاية الشعبية انها انتاج وجدان شعبي صادق وعفوي، ومثل هذا الانتاج جدير من غير
شك بالحفظ والتدوين، بل جدير بالقراءة والافادة منه. وبذلك نساهم في حفظ تراثنا العريق ونقله
للاجيال القادمة، فهو معين لا ينضب لمن اراد استلهام عبق الماضي في ابداعه الادبي.

  • قصة شعبية عمانية قصيرة
  • قصة شعبية محلية عمانية قصيرة
السابق
احبته رغم زواجهما التقليدي , قصة للمتزوجين والمقبلين على الزواج
التالي
قصص فوائد الاستغفار 2024 قصص دينيه روعه 2024